اقتصاد
أرباح أرامكو تنهار من بئر الذهب الى حفرة الديون
تواجه شركة "أرامكو"، التي يروج لها النظام السعودي باعتبارها عماد الاقتصاد، واقعًا استثماريًا لا يرقى إلى الصورة اللامعة التي تسوّقها الدعاية الرسمية.
فبحسب البيانات المنشورة، خسر سهم الشركة نحو 31% من قيمته خلال ثلاث سنوات، في وقت لم يتراجع فيه السوق السعودي ككل سوى بنسبة 13% فقط. هذا يعني أن أداء أرامكو كان أسوأ من أداء السوق بشكل عام، ما يلقي بظلال من الشك على مدى نجاحها في الحفاظ على ثقة المستثمرين. كمت تكشف الأرقام أيضًا عن تراجع في ربحية السهم (EPS) بمعدل سنوي يبلغ 12% خلال السنوات الثلاث الماضية.
تقرير منصة Simply Wall St المالية الأسترالية في قراءة لهذه لأرقام أفاد أن انخفاض ربحية السهم جاء متناغمًا تقريبًا مع تراجع سعره في السوق، ما يشير إلى أن العوامل الأساسية للشركة، وليست مجرد تقلبات في معنويات المستثمرين، هي ما يقف وراء هذا الأداء الضعيف.
أما بالنسبة إلى إجمالي عائد المساهمين (TSR)، الذي يجمع بين حركة السهم والأرباح الموزعة، فقد بلغ 19% خلال الفترة نفسها. صحيح أن الأرباح الموزعة ساعدت في تقليل حجم الخسائر مقارنة بانخفاض السهم وحده، لكن النتيجة النهائية بقيت سلبية للمستثمرين.
وعلى المدى الأقصر، يظهر أن مساهمي أرامكو حصلوا على عائد إجمالي بنحو 10% خلال العام الماضي، وهو قريب من متوسط السوق الذي بلغ 10%. أما على مدى نصف عقد، فقد تمكن المساهمون من تحقيق عائد سنوي يقدَّر بـ 0.2%، وهو ما قدمه التقرير على أنه جانب مشرق بالنظر إلى السياق العام وتقلّبات السوق.
التقرير أشار كذلك إلى وجود "علامة تحذير واحدة" مرتبطة بأرامكو، دون الكشف عن تفاصيلها. مجرد وجود هذا التنبيه يترك باب الأسئلة مفتوحًا بشأن التحديات التي قد تواجه الشركة مستقبلًا.
هذه المؤشرات تأتي في وقت يسعى فيه النظام السعودي إلى إظهار أرامكو كرمز للقوة الاقتصادية ومصدر تمويل رئيسي لمشاريع "رؤية 2030". لكن الأرقام الواردة عن أداء السهم وربحية الشركة توضح أن الواقع أقل بريقًا مما يُعرض في الخطاب الرسمي.
ومع تزايد التحولات العالمية نحو الطاقة المتجددة، والضغوط على شركات النفط في مواجهة التقلبات الاقتصادية والسياسية، فإن استمرار هذا الأداء المتواضع لأرامكو قد يطرح تحديات جديدة للنظام السعودي الذي يربط جزءًا كبيرًا من خططه الاقتصادية بمستقبل هذه الشركة.
وفي تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ الأميركية، مؤخرا سلّطت فيه الضوء على واقع شركة أرامكو بعد مرور ما يقارب ست سنوات على طرحها العام الأولي، ليكشف صورة قاتمة عن أداء الشركة وتحدياتها في سوق النفط والمال.
ففي أواخر 2019، سوّقت “السلطات السعودية” لعملية الاكتتاب على أنها “فرصة تاريخية”، بل وصل الأمر بأحد كبار أفراد آل سعود إلى القول إن من لم يشارك في الطرح سيعض أصابعه ندمًا، مع وعود بتحقيق تقييم يبلغ تريليوني دولار خلال “أشهر قليلة”. لكن ما جرى كان عكس تلك التوقعات؛ “وول ستريت لم تشترِ القصة، ولم تفُت الفرصة”، وفق وصف الكاتب، بل تراجعت أسهم أرامكو إلى مستويات منخفضة، وتحوّل الاكتتاب الذي وصف حينها بأنه الأكبر في العالم إلى تجربة استثمارية مخيبة للآمال.
وبحسب بيانات جمعتها “بلومبرغ”، فإن أداء سهم أرامكو منذ الطرح العام الأولي كان الأسوأ بين كبرى شركات النفط العالمية والوطنية، حيث لم يتجاوز العائد الإجمالي (بما في ذلك الأرباح المعاد استثمارها) نسبة 16%، في حين أن شركات مثل إكسون موبيل وشيفرون وشل حققت مكاسب تجاوزت 50% للفترة نفسها. حتى “روسنفت” الروسية، المحاصرة بالعقوبات، تفوقت على عملاق النفط السعودي. اللافت أن أرامكو اضطرت مؤخرًا إلى الاستدانة من أجل الإيفاء بالتزاماتها تجاه المساهمين.
ففي النصف الأول من 2025، سجّلت الشركة تدفقًا نقديًا حرًا بلغ 34.4 مليار دولار، لكنه لم يكن كافيًا لتغطية توزيعات الأرباح التي بلغت 42.7 مليار دولار، ما دفعها إلى بيع سندات لتغطية الفجوة. صحيح أن الشركة تستطيع الاقتراض بسهولة بفضل تدني ديونها، إلا أن المستفيد الأول والأكبر من هذه التوزيعات يظل “الحكومة السعودية”، التي تملك نحو 97% من الأسهم. المعضلة الأعمق، وفق التقرير، أن أرامكو لم تقدّم حتى الآن خطة واضحة لطمأنة المستثمرين أو لإحياء أسهمها.
في مكالمات مع المساهمين، يظهر مسؤولو الشركة وكأنهم راضون عن أدائها، رغم هبوط سعر السهم إلى أدنى مستوياته منذ مارس 2020، حين انهارت أسعار النفط بسبب جائحة كورونا. المدير المالي زياد المرشد ذهب إلى القول إن الشركة تقدم “عرضًا استثماريًا جذابًا للغاية”، وهو ما وصفه خافيير بلاس بأنه تصريح جريء في ظل التراجع المستمر. وعندما حاولت بلومبيرغ الحصول على تعليق رسمي، امتنعت الشركة عن الإجابة بعد أن طلبت مسبقًا قائمة من الأسئلة. كما أشار التقرير إلى مفارقة لافتة: أرامكو التي لطالما تباهت بأنها أقل منتج نفطي تكلفة في العالم، لم تتمكن من تغطية أرباحها حتى في فترة تجاوز فيها متوسط سعر خام برنت 70 دولارًا للبرميل. هذا السعر ليس منخفضًا بالمعايير التاريخية، لكنه لم يكن كافيًا لتفادي عجز الشركة، ما يطرح سؤالًا حول قدرتها على الصمود إذا ما تراجعت الأسعار أكثر.
ارسال التعليق