
ضربة قطر تدفع حلفاء واشنطن إلى إعادة حساباتهم
نشرت صحيفة "فزغلياد" الروسية مقال رأي لمحلل الشؤون السياسية، ديمتري روديونوف، سلط خلاله الضوء عن الهجوم الإسرائيلي على قطر، معتبرًا أنه يعكس تحولات عميقة في موازين القوة الإقليمية والدولية ويطرح علامات استفهام حول مصداقية التحالفات التقليدية وأمن الحلفاء في المنطقة.
ويقول الكاتب، في مقاله إن الضربات الإسرائيلية على قطر تشكّل سابقة خطيرة؛ فرغم أن قطر ليست أول دولة ذات سيادة في الشرق الأوسط تتعرض لهجمات إسرائيلية "بلا عقاب وبصورة فجة"، إلا أنّ ما حدث في السابق اقتصر على دول تعاني من أنظمة سياسية غير مستقرة أو مصنّفة وفق المعايير الغربية ضمن "الدول المارقة"، مثل العراق وإيران ولبنان وسوريا واليمن. أمّا قطر، فهي ليست مجرد دولة رصينة، بل تُعدّ أحد أبرز الحلفاء العسكريين والسياسيين للولايات المتحدة في المنطقة.
وتتعمّق خطورة الموقف بالنظر إلى لعب قطر، على مدى سنوات طويلة، دور الوسيط بين تل أبيب وقيادة حركة حماس. وهذا يعني أنّ إسرائيل لم تكتفِ بانتهاك سيادة قطر، بل وضعت الدوحة في موقف بالغ الحرج، إذ بدا وكأنّ السلطات القطرية قد استدرجت الفلسطينيين إلى فخ، ولو من دون أي نية مسبقة لذلك.
وجاءت "الطعنة" الثانية من الحليف الأمريكي نفسه، حيث صرّحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولاين ليفيت، بأنّ واشنطن، عبر المبعوث الخاص ستيفن ويتكوف، كانت قد حذّرت قطر مسبقاً من استعداد الجيش الإسرائيلي لتنفيذ الضربة.
وقالت ليفيت: "لقد وجّه الرئيس على الفور مبعوثه الخاص ويتكوف لإبلاغ القطريين بالهجوم المرتقب، وقد تم ذلك بالفعل. فترامب يعتبر قطر حليفة مهمّة وصديقًة للولايات المتحدة، ويعرب عن أسفه العميق حيال مكان توجيه هذه الضربة"، محاولةً تبرير موقف الرئيس الأمريكي، الذي تبيّن أنه كان على علم مسبق بالهجوم الجاري الإعداد له.
وذكر الكاتب أن النتائج كانت عكس المتوقع؛ فإذا كان ترامب قد أحيط مسبقًا بجميع التفاصيل ولم يستخدم الوسائل المتاحة لمنع الهجوم، فقد أضرّ بصورته. وفي حال تبني المعلومات التي نشرها موقع إكسيوس، فقد فاجأت أنباء الهجوم الإسرائيلي على قطر البيت الأبيض وأثارت غضب بعض مستشاري ترامب، وذلك لأنها حدثت في وقت كانت الولايات المتحدة تنتظر فيه رد حركة حماس على المقترح الجديد للرئيس حول السلام في غزة
وعليه - وفق الكاتب - ففي حال كان ترامب على علم بكل شيء، فهو شريك مباشر في الهجوم. وتتأكد هذه الصورة من خلال تبريراته الخاصة، حيث كتب على شبكة التواصل الاجتماعي "تروث سوشيال": "هذا القرار اتخذه رئيس وزراء إسرائيل، نتنياهو، وليس أنا".
وواصل ترامب تبرير موقفه، مشيرًا إلى أنّ الضربات الأحادية على قطر لا تساهم في تحقيق أهداف واشنطن أو أهداف إسرائيل نفسها؛ وفي ختام منشوره شدد على أنّ "القضاء على حركة حماس هدف يستحق المحاولة".
وبحسب الكاتب؛ فقد ارتكبت الولايات المتحدة خيانة صريحة، إذ استدرجت قيادة حركة حماس إلى فخ. وحتى الآن، على رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الإثبات للعالم أن الولايات المتحدة أبلغت حكومته بالهجوم الإسرائيلي فقط بعد وقوعه.
ويثير موقف الدفاع الجوي القطري حيال العدوان التساؤلات، فقد بدا وكأنه غائب تماماً، تتداول وسائل التواصل الاجتماعي تفسيرات مختلفة من بينها تعطيل الولايات المتحدة منظومات الدفاع الصاروخي الأمريكية "باتريوت" الموجودة في الخدمة لدى قطر، كما بدا أن مقاتلات سلاح الجو القطري كانت تحلّق فوق العاصمة أثناء الهجوم، برفقة طائرات التزويد بالوقود البريطانية والأمريكية.
وفي حال كان ترامب على علم بما حدث؛ فإن ذلك يجعله شريكًا في ارتكاب جريمة حرب. بل يتعدى الأمر ذلك؛ فقد وصف رئيس وزراء قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الهجوم الإسرائيلي بأنه عمل إرهابي دولي.
وإن لم يكن الأمر كذلك، فإن ذلك يعني أن رئيس وزراء إسرائيل، نتنياهو، لم يُعر اهتماماً لمبادرات السلام التي أطلقها ترامب، ولا للرئيس الأمريكي نفسه، ولا للولايات المتحدة كحليف رئيس. وفي الواقع، هذا الموقف أصبح واضحًا منذ فترة، إذ لم يعد نتنياهو يرد عمليًّا على الانتقادات الصادرة عن البيت الأبيض، في رسالة ضمنية مفادها أن واشنطن لا تملي عليه سياساتها، رغم اعتماد إسرائيل الكبير على الدعم الأمريكي، خصوصاً في المجال العسكري.
وبين الكاتب أن هذه التطورات تعكس نتيجة سلسلة طويلة من الجرائم العسكرية الإسرائيلية التي ظلت دون عقاب بسبب الحماية الأمريكية. وإذا كانت أهداف الهجمات السابقة تركز على دول أقل "رُصانة"، فإن نتنياهو أصبح اليوم يستهدف حتى حلفاء الولايات المتحدة المباشرين.
وينقل الكاتب تصريح السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة، يحيئيل لايتر، الذي جاء فيه: "إذا لم نتمكن من الوصول إليهم هذه المرة، سنفعل ذلك في المرة القادمة"، في إشارة واضحة إلى استمرار سياسة الضربات غير العقابية ضد دول أخرى. أما رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، فقد أعلن أن قادة حركة حماس لم يعودوا يتمتعون بأي حصانة دولية.
لكن هذه العبارة تحمل أكثر من معنى، فبعد الهجوم على قطر أصبح واضحاً أن لا أحد في العالم يتمتع بحصانة حقيقية، حتى الحلفاء الأقرب للولايات المتحدة. ولم يعد التحالف مع واشنطن ضمانًا موثوقًا لعدم التعرض للقصف، بل إن الولايات المتحدة قد لا تكتفي بحماية المعتدي، بل قد تساعده أحياناً في تنظيم عدوانه.
وشبّه الكاتب قطر بـ"الطفل المتمرد" في العالم العربي، نظرًا لانحيازها الواضح إلى الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الغربية. كما أن علاقاتها مع جيرانها، لا سيما مع المنافس الإقليمي الرئيسي، المملكة العربية السعودية، ليست دائماً مستقرة. ويوضح الهجوم الذي تعرضت له قطر بشكل صارخ المخاطر التي قد تترتب على الإفراط في خدمة الغرب والثقة المطلقة فيه.
وأفاد الكاتب أنه في الوقت الحالي، يلتزم السعوديون الصمت، إلا أن المؤشرات توحي بأنهم يدرسون الموقف بعناية ويستخلصون العبر اللازمة لاتخاذ خطوات مستقبلية مدروسة؛ حيث بات من الواضح أنّ فكرة انضمام السعودية إلى "اتفاقية التطبيع" صعبة التحقيق في الوقت الراهن، إذ سيكون من المستحيل تبرير ضرورة الاعتراف بإسرائيل أمام الرأي العام السعودي بعد الأحداث الأخيرة. وقد يؤدي هذا الواقع إلى تباعد الرياض عن واشنطن بشكل تدريجي.
ويرجح الكاتب إمكانية دفع هذه التطورات المملكة إلى استئناف سياسة التقارب مع روسيا والصين، وإعادة النظر في مسار الانضمام إلى مجموعة بريكس، الذي جرى تعليقه في نهاية العام الماضي بعد فوز ترامب، الذي كانت الرياض تعتبره حليفًا موثوقَا ومقربَا. وإذا استمر هذا المسار، فقد تتحول محادثات "التخلي عن الدولار" في تجارة النفط العربي إلى واقع ملموس، ما سيشكّل أقوى ضربة للهيمنة الاقتصادية الأمريكية في تاريخها الحديث.
وذكر الكاتب أنه من الناحية السياسية؛ يمثل الهجوم على قطر ضربة كبرى ليس فقط لمصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، بل لسمعتها على الصعيد العالمي بأسره. فقد أصبح واضحاً أنه لا توجد دولة، مهما كانت حليفة، يمكن أن تشعر بالأمان المطلق.
ففي الماضي، كانت الولايات المتحدة تُطيح، أحياناً بأيديها أو عبر حلفائها، بقادة دول موالية لها مثل صدام حسين ومبارك ومعمر القذافي، لكن تلك العمليات كانت تتم في سياق حرب معلنة. أما ما حدث يوم الثلاثاء الماضي، فقد شكّل ضربة خفية وغادرة لأصدقاء واشنطن أنفسهم، وهو سلوك لم تعرفه السياسة الأمريكية سابقاً تجاه حلفائها المباشرين.
ومن اللافت أن هذه التطورات تأتي في وقت يشهد فيه العالم تصاعد نفوذ منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس، مع بروز ملامح واضحة لعالم متعدد الأقطاب لا مكان فيه للهيمنة الأمريكية كما كانت في السابق.
وفي ختام مقاله يقول الكاتب إنه لم يبقَ لدى واشنطن سوى إسرائيل كحليف يمكن الاعتماد عليه، وهي التي أصبحت منذ فترة طويلة تعمل وفق مصالحها الخاصة دون أي اعتبار لتوجيهات أو مصالح واشنطن.
ارسال التعليق